ما بين أذان العصر وإقامة الفريضة، لا حراك في معظم شوارع جدة (غرب السعودية)، حيث تبدو خاملة ذابلة ثابتة الإيقاع، وما إن يفرغ الإمام من التسليم، حتى تتغير الصورة والمشهد العام، فالثوابت تتحرك، والإيقاع يرتفع تدريجا، وجميع الأماكن ليست هي الأماكن قبل صلاة العصر في شهر رمضان المبارك.
وفي كل مساحة متاحة يمكن الاستفادة منها داخل جدة أو على أطرافها، تتحول هذه المساحة في رمضان فقط، لصالة عرض منتجات غذائية مختلفة اللون والطعم، والرائحة، وحتى مصدر تلك الوجبة، فيخالجك شعور وأنت تتجول بين تلك المباسط المغطاة بالشماسي بأنك في إحدى أهم صالات العرض الفريدة، والتي تمتلك المقومات الثلاث (المساحة، الإضاءة، وإمكانية التقسيم)، فمع المساحة التي يتم الاستفادة منها في الأحياء للبيع، يسقط على التقسيم بما تعنيه في هذه اللوحة، إلى الإضاءة من قرص الشمس، الساقطة على نوافذ المركبات، وبعض المباني فتنعكس باللون وبقوة الإضاءة على المعروض فيعطيه مالا تعطيه إضاءة المصابيح، ناهيك بالسقوط المباشر لأشعة الشمس على أجساد العارضين، فتمنحهم جمالا وصبرا عل الرغم من قسوتها ووصولها إلى أطراف الأربعين المئوية.
تلك هي الحالة في رمضان، فما كان «قبل»، لا يكون هو «بعد»، وما كان بعد لا يتوقف عند حدود المعقول والممكن، ففي جنوب جدة تنتشر أسواق تبهرك بما تقدمه، إضافة إلى نوعية المقدم والعارضين رجالا ونساء، مع الاستغلال الكامل لكل مساحة الفراغ، بين الأزقة، تحت الجسور، على الطريق العام، كل ذلك متاح، المهم هو العرض، وإن كان في بعضه مخاطر جمة، تكمن في استخدام الغاز، وقطع الطريق من وإلى صالة العرض في الهواء الطلق، إلا أن هذه الأسواق تحظى بتدفق كبير من المستهلك المحلي والمقيم في البلاد.
تقول أم أحمد وتقلبات السنين ترسم كتجاعيد على وجهها المسن، في ثنايا حكاية كفاحها، التي ترويها لـ«الشرق الأوسط»، وأمامها طبق «اللحوح» الذي تعرضه لزبائنها من المارة: «الصيف هذا العام ليس كبقية المواسم، أنا أبيع لأكف عن سؤال الناس.
أم أحمد مجرد صورة من آلاف الصور التي تعترض طريقك خلال تجوالك بمدينة جدة، في فترة العصر من نهار رمضان، فالأحياء الشعبية لعروس البحر الأحمر تكثر فيها عمليات البيع العشوائي، الجميع يبحث عن مصادر دخل «مضافة.
وها هو ماجد، بائع «السوبيا» أحد المشروبات الأكثر رواجا في شهر رمضان، ليؤكد أنه يأتي من عمله في الساعة الثانية ظهرا، ويقوم بتصفية «السوبيا» وتحضيرها في «أكياس» ومن ثم وضعها في حاويات حافظة، تمهيدا لبيع بعد صلاة العصر.
وفي ذات السياق، يؤكد المهندس سامي نوار، رئيس بلدية البلد لـ«الشرق الأوسط» أن الأمانة ممثلة في البلديات الفرعية تقوم بجولات تفتيشية في رمضان على جميع المواقع المخالفة وفي جميع أحياء جدة، ويشير إلى أن إدارته قامت بالكثير من الحملات التي نتج عنها ضبط كميات كبيرة من الأغذية والخضراوات التي يتم الكشف عنها بعد مصادرتها وتوزيعها على الجمعيات الخيرية والأربطة.
ويضيف نوار أن هناك لجنة مكونة من (الأمانة، مندوب الشرطة، البلدية، الغش التجاري) تقوم بحملات مستمرة، خاصة أن منطقة البلد ينتشر فيها أكثر من 45 ألف محل تجاري، بخلاف البسط والبائع الجائل الذي تتم ملاحقته وفق الضوابط المعمول بها في مخالفة البيع، موضحا أن الباعة الجائلين في منطقة البلد هي مشكلة أزلية.