أوضح محمد علاوي، وزير الاتصالات العراقي الذي أقاله نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء، قبل أيام من منصبه أنه لم يقدم استقالته وإنما بعث برسالة إلى المالكي لاعتراضه (علاوي) على تدخلات رئاسة الوزراء في عمل وزارته.
وقال علاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» في لندن أمس «هذه هي الرسالة الثانية التي أبعث بها لرئيس الوزراء بسبب التدخلات من قبله شخصيا في شؤون الوزارة على مستوى فصل موظفين مهنيين أكفاء وبدرجات عالية وتعيين آخرين بلا كفاءة بدلا منهم من دون استشارتي أو أخذ رأيي، وهناك أسباب كثيرة وتدخلات سياسية، ولم أحصل على أي إجابة منذ أكثر من سنة على الرسالة الأولى»، مشيرا إلى أن «الكادر الذي في الوزارة أداؤهم كفء ومتميز وصار إلى إخراجهم»، وقال، إن «من أهم الأسباب هي أنه يراد من الوزارة تمرير كثير من العقود الفاسدة وأنا والمديرون الذين معي وقفنا بوجه هذه العقود». وتابع: «بعثت برسالة إلى المالكي وأوضحت فيها المشاكل وطلبت من رئيس الوزراء اللقاء به ثلاث مرات ومرة قال أعطيني رقم موبايلك وأنا أتصل بك ولم يفعل، تصور منذ عام ووزير يريد لقاء رئيس الوزراء للحديث معه عن العمل وأسلوب تطويره لكنه يرفض، ولا يلتقي به وفضل إبقاء الأوضاع على ما هي عليه واستشراء الفساد وفضل إقالتي كون هذه الوزارة فيها مشاريع مالية كبيرة ولا يريدون بقاء وزير مستقيم ومهني فيها، والإجراء الذي أقدم عليه المالكي ينطوي على تحامل كبير علي».
وكشف وزير الاتصالات المقال عن أن «من أبرز هذه العقود الفاسدة تتعلق بما يسمى ببوابات النفاذ الخاصة بتمرير الاتصالات الخارجية من وإلى العراق أي بيع وشراء دقائق الاتصالات في سوق تداول هذه الدقائق والاتصالات بين الدول، ونحن بحاجة إلى شركة عالمية ولها خبرة ونحن كوزارة نستفيد من الأرباح الكبيرة لهذه العملية خاصة ونحن كوزارة أخذنا مسؤولية أن نكون بوابات النفاذ لشركات الهاتف الجوال وهذا يعني تحقيق واردات مهمة للبلد، والموضوع مهني بحت يعتمد على حجم الشركة عالميا وعملها في بقية الدول وخبرتها ورأسمالها ويحتاج إلى إجراء بحوث ودراسات من قبل خبراء وفنيين عن عدة شركات قبل الاستقرار على شركة معينة»، مضيفا: «تقدمت لنا 6 شركات وبدأنا ندرس إمكاناتها، لكن ما حدث أنه تم إبرام العقد مع شركة فرنسية فيها عراقيون ولبنانيون فرضها علينا رئيس الوزراء وهو من طلب مني الموافقة على هذا العقد، وقد تم هذا العقد مع هذه الشركة من دون علمي وفي مطار بغداد أبرمته مستشارة لدينا، وكانت هذه الشركة قد قدمت وثائق مصدقة من قبل السفارة العراقية في باريس على أنها شركة كبيرة ودخلها السنوي يفوق المليار ونصف المليار دولار ولها أكثر من 12 بوابة نفاذ في 24 دولة حول العالم، وكان وضمن الإجراءات المعمول بها هي أن تقدم الشركة كفالة مصرفية بعشرة ملايين دولار إذا تلكأت الشركة عن تأمينها وهذا ما جعلنا نشك بأمرها لهذا أجرينا بحوثنا عنها واكتشفنا أنها مجرد شركة صغيرة وليست عندها بوابات نفاذ فقالوا نحن نمتلك شركة آيرلندية وبعد إصرارنا على معرفة اسم هذه الشركة أعلمونا بها وبوثائق مصدقة من قبل السفارة العراقية بآيرلندا، لكننا اكتشفنا أن هذه الشركة الآيرلندية لا وجود لها، أي أنها شركة وهمية».
وأضاف علاوي قائلا، «وبعد أن انكشفت لنا الحقائق أوقفت العقد وقررنا البحث عن شركة حقيقية وكبيرة ومعروفة ووقعنا معهم العقد وهذا ما أثار حفيظة الأطراف الأخرى ومنهم المستشارة في وزارتنا التي قالت لي بالحرف الواحد: (كيف تجرؤ على عدم توقيع عقد مع شركة طلب منك رئيس الوزراء التعاقد معها؟).. وهذا ما دفعها للشكوى ضد الوزارة وهي موظفة فيها، ولغضب رئيس الوزراء، وعندما لجأنا إلى هيئة النزاهة تم تشكيل لجنة تحقيقية وضعوا هذه المستشارة عضوا فيها وهذا مخالف للقوانين العراقية السارية إذ لا يمكن أن يكون المشتكي عضوا في لجنة تحقيقية تخص قضية هو طرف فيها كما لا يجوز لوزارتنا أن تكون هي الأخرى عضوا في هذه اللجنة، وعندما فاتحنا رئاسة الوزراء حول ذلك وبرسالة رسمية جاءني الرد من رئيس الوزراء الذي أصر على بقائها في اللجنة التحقيقية وقال، (هذه خبيرة ويجب أن تلعب دورها بالتحقيق).. وبالفعل حققت اللجنة مع موظفينا وسألوهم عن سبب عدم الموافقة على العقد، وفي النهاية فوجئت اللجنة بالمعلومات والوثائق والأرقام التي بحوزتنا والتي برهنت أن هذه الشركة وهمية ومحتالة».
وشدد علاوي قائلا، «أنا لا يمكن أن أخضع لهذا النوع من الضغوط ولن أشارك في أي عملية فساد ضد البلد والمواطن العراقي مهما ترتبت علي أي مسؤولية كون الموضوع يعني سرقة لأموال البلد والتعدي على حقوق المواطنين وهذا لا يروق للبعض الذين يريدون أن تستمر عمليات الفساد خاصة في وزارة الاتصالات التي تحقق إيرادات كبيرة»، مشيرا إلى أن «العراق اليوم في قمة هرم الدول التي تعاني الفساد المالي وعلينا محاربة الفساد بكل ما أوتينا من قوة ومع الأسف أن يقاد البلد بهذه الطريقة العرجاء، حيث يفضل رئيس الوزراء بقاء الفاسدين في الوزارة والتضحية بوزير لم يعرف عليه أي قضايا فساد بل هناك إشادة بمهنيتنا وشفافية عملنا وإنجازاتنا».
وحول الرد الذي صدر من رئاسة الوزراء على رسالته والذي شكك بإنجازات وزارة الاتصالات وكفاءة وزيرها، قال علاوي، «للأسف الرد الذي صدر عن رئاسة الوزراء بأن الوزارة وأنا أداؤنا ضعيف وهذه مسألة تدعو للسخرية كوني حصلت على رسالة شكر من قبل نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح في عام 2007، وكذلك من قبل وزير المالية وقتذاك باقر الزبيري لنزاهتنا والتصرف بأمانة بالميزانية كما ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) أن وزارة الاتصالات هي أفضل الوزارات العراقية، هذا في عام 2007 أيضا، أداؤنا هذا العام 76 في المائة نظريا وعمليا 90 في المائة كون كثير من المشاريع أخذناها بأقل من الكلفة التخمينية».
ومضى علاوي قائلا، «هناك خلفيات للقضية منها أني استقلت من وزارة المالكي السابقة ولأني عضو في ائتلاف العراقية وكوني ابن عم الدكتور إياد علاوي رئيس الائتلاف ولأني ذهبت إلى النجف للقاء السيد مقتدى الصدر على الرغم من أني انقطعت عن التصريحات السياسية واتجهت للعمل المهني كوني وزيرا في الحكومة، وعملت بشكل مهني بحت ومسؤوليتي هي خدمة العراق»، مؤكدا «لن أعود ما لم تجر الإصلاحات في الوزارة وسأذهب لإيضاح الأمور في مجلس النواب ببغداد».
وأوضح أنا «لم أقدم استقالتي وهي ليست استقالة وفي العراق ما هو غير قانوني يتحول إلى قانوني عن طريق المحاكم بطريقة وبأخرى، هناك ناس متورطون في قضايا فساد كبيرة حصلوا على البراءة ويمكن اتهام أبرياء بتهم غير حقيقية»، مشيرا إلى أن «البلد يمشي بطريقة عرجاء وإلا كيف يمكن أن تزيد الموازنة على مائة مليار دولار وهو خرب؟ أضخم محطة توليد طاقة كهربائية يستغرق إنشاؤها ما بين عام ونصف العام وثلاثة أعوام، لكن المالكي اليوم في السلطة منذ أكثر من سبع سنوات ولم تبن محطة كهرباء والناس تعاني شحنة الخدمات». وقال، «أنا لا يهمني المنصب فأنا لا أملك بيتا أو قطعة أرض في العراق، وبعيد عن عائلتي وخسرت أموالا كبيرة كوني كنت أعمل في القطاع الخاص خارج العراق».
بدوره، نفى علي الموسوي، المستشار الإعلامي للمالكي، بشدة اتهامات علاوي، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «رئيس الوزراء لم يقم بمثل هذه الأمور على الإطلاق، وهي عارية عن الصحة تماما»، وأضاف الموسوي أن وزير الاتصالات المقال «يحاول خلط الأوراق وإلقاء تبعة فشله، وباعترافه، على آخرين؛ ومن بينهم رئيس الوزراء».